vendredi 6 février 2015

اقتصادالمستوطنات القرطاجية

تقديم :
من الراجح أن تأسيس قرطاج شديد الصلة بالسياسة التجارية لمدينة صور الفينيقية بالحوض الغربي للبحر الابيض المتوسط ، لاسيما حراسة وحماية طرق تجارة المعادن المؤدية نحو المناطق الواقعة خلف عمودي هرقل، واذا كانت قرطاجة قد قامت بهذه المهمة لصالح المدينة الأم فسرعان ما اشتد ساعدها وأصبحت تعمل لحسابها الخاص متبنية المستوطنات الفينيقية بالحوض الغربي ومحتكرة الطرق التجارية أمام خصومها وتقف عائقا أمام كل من يسعى الى اقتحام أسواقها حفاظا على اقتصادها واقتصاد مستوطناتها الذي يشكل الدعامة الحقيقية ومصدر الثراء بالنسبة لقرطاج .
فعلى ماذا كان يعتمد اقتصاد هذه المستوطنات؟ وكيف استغلت قرطاج ما تزخر به هذه المستوطنات من ثروات لصالحها ؟
ارتأينا أن نعالج هذه الاشكالية وفق التصور التالي :
·       المحور الأول :سياسة قرطاج التجارية
·       المحور الثاني : علاقة قرطاج الاقتصادية بحضارات الغرب المتوسط
·       المحور الثالث : اقتصاد المستوطنات القرطاجية بغرب المتوسط








المحور الاول  : سياسة قرطاج التجارية :
 ورثت قرطاج التجارة الفينيقية في الحوض الغربي للبحر الابيض المتوسط ولم تأخذ موقعها بشكل فاعل على الساحة المتوسطية الا مع أواسط القرن 6 ق.م، فمنذ تأسيس قرطاج  في أواخر القرن التاسع وعلى امتداد قرنين من الزمن طرأت تحولات عميقة على مختلف الميكانيزمات المتحكمة في حركة التوسع التجاري والحضاري في المنطقة ، اذ اصبح التوسع الاغريقي في الغرب المتوسط يتخذ طابعا أكثر حدة وأكثر تنافسية وبات يشكل خطرا على مصير المستوطنات الفينيقية خاصة بصقلية وايبيريا اللتان شكلتا مناطق مواجهة حتمية بفعل أهميتها الاستراتيجة والاقتصادية ، وكان القرطاجيونقبل ذلك  يعتبرون أنفسهم رعايا ملك صور بارسالهم العشر فلهم نفس حقوق الصوريين وعليهم نفس الواجبات لذا يرجح أن قرطاجة لم تكن مستقلة عن صور [1] ،بل كانت السند الحقيقي للمستعمرات الفنيقية المنتشرة في غرب البحر الأبيض المتوسط وكثيرا ما كان الفينيقيون يعتمدون على التدخل القرطاجي في تلك المراكز لحماية حقوقهم والدفاع عن مصالحهم ، وقد تغيرت العلاقة بين صور وقرطاج بين منتصف القرن السادس ق.م وبداية القرن الرابع ق.م حيث لم تعد ترسل قرطا ج لصور الا القليل القليل[2] .
وفي هذا السياق تمكنت قرطاج على ما يبدو من تزعم السيادة البحرية في غرب البحر الأبيض المتوسط فأضحت تسيطر على سواحل كل من اسبانيا وجزر البليار وسردينيا اضافة الى جنوب غربي صقلية، وربطت علاقات تجارية استغلت من خلالها الثروات الطبيعية والاقتصادية التي كانت تزخر بها مختلف أقطار الغرب المتوسط، ويسود الاعتقاد أن مصالح قرطاج كدولة ارتبطت بمصالح بعض العائلات النافذة اقتصاديا، وقد طبع هذا التماهي توجهات سياستها الخارجية مكيفا بالتالي علاقتها بباقي القوى المتىوسطية [3].
وفي هذا الصدد يوضح بيكار أنه الى غاية وصول الأسرة الماغونية الى الحكم في قرطاج حوالي 550 ق.م لم تتحدث النصوص عن المدينة الفتية الا في مناسبة واحدة من خلال الاشارة الى ان  قرطاج قد أرسلت جماعة من المستوطنين قصد الاستقرار في جزيرة ايبيزا حوالي 654 ق.م [4].
المحور الثاني : العلاقات التجارية بين قرطاج وحضارات غرب المتوسط :
العلاقات التجارية بين قرطاج والاتروسكيين
تشير المصادر الى التحالف بين قرطاج والمدن الاثرورية على الساحل الغربي لايطاليا ومنع نصرهم المشترك سنة 535 ق.م الاغريق من الاستقرار في كورسيكا [5].
ويشير الباحث الشاذلي أن قرطاج ربطت علاقات تجارية مباشرة مع الاتروسكيين منذ القرن السابع ق.م كما تدل على ذلك اللقى  الفخارية المعروفة باسم البوكيرو الرفيع (Bucchero fin ) في كل من بنورمس وهيمراس وسيلونيت في غرب جزيرة صقلية .
ويبدو أن المعاهدات التجارية سبقت المعاهدات العسكرية التي لم يتم ابرامها الا حوالي 540 ق.م [6].
ومهما يكن فان تحالف القرطاجيين مع الأتروريين كان هدفه عزل المستعمرات الاغريقية بجنوب ايطاليا وشرق صقلية عن الحوض الغربي للبحر الأبيض المتوسط .
علاقات قرطاج التجارية مع اغريق صقلية :
 سعت قرطاجة جاهدة للحفاظ على الوجود السامي في صقلية نظرا للموقع الاستراتيجي الذي يميزها في كونها تتوسط حوض البحر الابيض المتوسط وهو ما أهلها  للتحكم في خطوط المبادلات التجارية التي تخترق هذا البحر و جعلها تحظى بأهمية  بالغة لدى الاغريق والقرطاجيين وبالرغم من التنافس بين الطرفين الا ان ذلك لم يمنع من اقامة مبادلات تجارية [7]
ويشير ديودر الصقلي الى أن المبادلات بين قرطاج وصقلية اعتمدت بالدرجة الأولى على تبادل المواد الغذائية والنسيج [8].
كما توضح المصادر الأثرية وجود عينات من الفخار ذوالطلاء الأسود القادم من صقلية le Céramique a vernis noir والذي بدأ في الظهور في قرطاج ابتداءا من أواسط القرن 4 ق.م [9] .
ومن الثابت ان الأواني الكرنتية التي استوردتها قرطاجة كانت تجلب من سرقوسة ، وعندما أصبحث هذه المدينة عاصمة لصقلية الاغريقية صارت لها تجارة نشيطة مع القرطاجيين في الفترات الفاصلة بين الحروب التي خاضتها ضدها وقد استقر بها عدد من أغنياء قرطاجة سنة 398 ق.م وأوى منائها عدد من السفن البونيقية كما عثر على كنز بالقرب  من هيبو أكرا (بنزرت حاليا )يرجع الى القرن الخامس قبل الميلاد يضم قطعا نقدية سرقوسية مع نقود بعض المدن الاغريقية الاخرى بالجزيرة ونقود أثينا ، كما عثر بسرقوسة وكمارين وجيلا على بعض الجرار البونيقية الحاملة لعلامة تانيت تعود الى القرنين الرابع والثالث ويبدو أنها كانت تحتوي على الخمرأو الزيت أو الفواكه وجلبت من مالطة ان لم تكن من قرطاجة [10].
العلاقات  التجارية بين قرطاج وروما
عندما نتحدث عن العلاقات التجارية بين قرطاج وروما لابد لنا من استحضار المعاهدات التجارية التي وقعها الطرفين والتي اشار اليها بوليب فعندما احست قرطاج بطموحات روما سارعت لربط معاهدة معها نهاية القرن السادس وجددتها بابرامها معاهدة سنة 348ق.م بمجرد ما لاحظت اتساع رقعة هذه الدولة نحو الجنوب وتنامي قوتها وازدادت غيرتها على مراكزها التجارية عندما لاحظت ان الجمهورية الرومانية اصبحت لها اهتمامات في مجال البحر وانشأت اسطولها منذ الربع الأخير من القرن الرابع فكانت معاهدة 306ق.م لاغلاق صقلية في وجه منافستها التي تستمر في زحفها نحو الجنوب وجاءت معاهدة 278ق.م لتعزز هذا الامر .
 وفيما يتعلق بواردات قرطاج من منطقة إيطاليا بعد نجاح روما في الظهور بمظهر القوة الكبيرة على الساحة المتوسطية، يمكن التمييز في هذه المبادلات بين مرحلتين[11]
- قبل اندلاع الحرب البونية الأولى: خلال هذه المرحلة يعود أكثر أنواع الخزف انتشار إلى ورشات تسمى ورشات ذات الأختام الصغيرة Ateliers agettes estamp illes و هذه الورشات كانت توجد في مدينة روما وضواحيها وفد بلغ هذا الإنتاج المواقع البونية أو الواقعة تحت تأثير البوني.
- بعد الحرب البونية الثانية ظلت وارادت قرطاج من الفخار الروماني أهم الواردات على الإطلاق وهو يفسر وجود كميات هامة من الفخار الكامبانيLa campaniane.A التي تم الكشف عنها خاصة في قرطاج، وقد اجتاحت هذه النوعية من الفخار قرطاج بداية من سنة 200ق.م.
المحور الثالث : اقتصاد المستوطنات القرطاجية بشمال الحوض الغربي للبحر الأبيض المتوسط :
كما أشرنا سلفا يبدو أن هيمنة قرطاج على المستوطنات الفينيقية الغربية بدات تتضح ملامحها مع القرن 5 ق.م وخلال هذه الفترة عملت على تطوير هذه المستوطنات وحمايتها من هجوم الأهالي ، ومن الطبيعي أن تستقبل معظم هذه المراكز التجارية  معمرين جدد لتحويلها من حالة المراكز التجارية المتواضعة الى مدن حقيقية ، فكانت رحلتا هميلكون في اتجاه الشمال على طول السواحل الاسبانية والغالية نحو جزر القصدير ، ورحلة حانون في اتجاه الجنوب على طول السواحل الافريقية لفرض الهيمنة القرطاجية على المؤسسات الفينيقية بأقصى الغرب وتأسيس مستوطنات جديدة واحتكار الموارد الاقتصادية بها [12].اذ سيطر  الفكر التجاري على حياة قرطاجة واتجاهاتها السياسية [13].
ويبدو أن الدور الاقتصادي الذي لعبته قرطاج  يكمن في جمع المواد الأولية  ثم اعادة توزيعها كعنصر للمبادلة .
وسنحاول من خلال هذا المحور التطرق الى اقتصاد المستوطنات القرطاجية في الحوض الغربي للبحر الأبيض المتوسط .
جزيرة صقلية :
لعبت صقلية دورا مهما في المبادلات التجارية نظرا لموقعها الجغرافي المتميز وسط البحر الأبيض المتوسط ، كان الفينيقيون قد أسسوا عددا من المراكز التجارية على طول سواحل جزيرة صقلية ، كما استحوذوا على المرتفعات المشرفة على البحر والجزر القريبة من الساحل لتسهيل تجارتهم مع الأهالي ،غير أن الاستيطان الاغريقي بالجزيرة جعلهم يقتصرون على موتي وسالويس وبانورموس أقرب المناطق من قرطاجة [14].
استقر القرطاجيون بالمدن الفينيقية الثلاثة المتميزة بقربها من افريقيا ولعبت هذه المنشآت دور الإشراف على أراضي الجزيرة وضمان السيطرة عليها وحراسة الطرق البحرية التي تسلكها السفن التجارية ، ومع نهاية القرن 5 ق.م سيطر القرطاجيون على المستوطنات الفينيقية القديمة بغرب الجزيرة وعلى كل المدن الواقعة على الساحل الجنوبي إلى كمارنية وعلى الساحل الشمالي إلى هيميرا.
موقع Solonte  :
ذكر هذا الموقع عند المؤرخ تيوسيديد Thucydide VII,2,6 وقد تم الكشف به عن مركز تجاري فينيقي-بونيقي يعود الى القرن 6 ق.م واعمال التنقيب أرخت لهذا المركز بالقرن 7 ق.م [15].
موقع Palerme :
تقع على بعد 15 كلمتر ، وقد كشف هذا الموقع عن لقى أثرية تعود لفترة التواجد الفينيقي-البونيقي خلال القرن 7 ق.م حتى سنة 254 ق.م ، كما أشارت الأبحاث الأركيولوجية على انه يتوفر على ميناء طبيعي [16].
موقع Motyé  :
حدد اليوم في جزيرة San pantelo ، مؤهلاتها الطبيعية تسمح لها بلعب دور اقتصادي مهم، أشارت الحفريات الى أن Motyé  كان بها مرفأين طبيعيين [17]  . ويشير ستيفان كزيل الى أن جزيرة صقلية كان بها الانتاج الشجري مزدهرا جدا خاصة الكروم والزياتين اذ عثر على بعض الجرار البونيقية أمفورات بصقلية القرطاجية [18].ومن خلال النص يظهر ان اقتصاد المستوطنات القرطاجية بصقلية تركز بشكل كبير على الانتاج الزراعي نظرا لخصوبة الأراضي الصقلية .
و يشير الشاذلي بورونية انطلاقا من نص لديودور الصقلي أن سبب الثراء الذي بلغته مدينة سيلينونت يرتبط بتجارتها مع قرطاج ، وقد عرفت هذه المنشأة بتصدير الخمور وزيت الزيتون نحو العاصمة البونية [19].
ويؤكد سترابون على خصوبة أراضي صقلية بقوله :'' أما فيما يتعلق بخصوبة صقلية فلا داعي للحديث عنها لأنها معروفة عموما بمماثلتها لخصوبة ايطاليا، بل يمكن القول أن صقلية متفوقة عليها في انتاج القمح والعسل والزعفران وبعض المحصولات الأخرى ... ولا يتعلق الأمر بالثمار والحبوب وحدها بل كذلك بالمواشي والجلود والأصواف وما ماثلها .......''[20]
جزيرة سردينيا :
تضم جزيرة سردينيا مجموعة من المستوطنات القرطاجية سنأتي على ذكرها تباعا :
موقع NORA : يقع هذا الموقع على Capo di pula  ، كشفت الحفريات المتتالية بالموقع عن وجود مخلفات تجارية فينيقية-بونيقية ابتداءا من منتصف القرن 8 ق.م ، بالاضافة الى العديد من المراكز التجارية ومناطق مخصصة للحرفيين، كما عرف الموقع استغلاليات فلاحية مكثفة خلال هذه الفترة [21].
موقع Bitia  :كشفت الحفريات التي أقيمت بهذا المركز التجاري عن مستوى بونيقي مؤرخ بفترة ممتدة ما بين القرن 6و4 ق.م و4و3 ق.م[22].
موقع Solcis : المعطيات الأثرية قدمت مخلفات بونيقية تعود الى القرن 6ق.م بهذا الموقع [23].
موقع Olbia  :أقدم الشواهد الأثرية المتعلقة بالمنشأة البونيقية مؤرخة بالقرن4 ق.م ويتعلق الامر بالعديد منالمراكز التجارية ، بالاضافة الى نقيشة مهداة من قرطاجي في القرن 3 ق.م[24]. وبالإضافة إلى هذه المواقع نجد موقع Santa maria di nabui  و موقع Bosa  .
وقد تركز اقتصاد مستوطنة سردينيا على الفلاحة مما جعلها أثناء المراحل العصيبة التي مرت بها قرطاجة قادرة على تزويد هذه الأخيرة بالدعم الغذائي[25]  
كما تمتاز سردينيا بوفرة مجوهراتها الرائعة المتطورة الصنع والتي من بينها أعلاق فريدة ليس لها نظير والتي عثر على أنواع أخرى منها في مدافن عديدة في سردينيا مثل : سلشيس ونورة وتراليس وتدعى اليوم كالياري [26]. ويذكر نفس الباحث أن ضمن مجوهرات سردينيا محافظ تظهر في شكل أسطوانات أو منشور وقد تعلوها رؤوس تماثيل حيوانات كالخرفان والسباع ، كما وجد اضافة الى المجوهرات التي ألتقطت أختام وأكاليل [27].
يبدوأن اقتصاد مستوطنة سردينيا كان يعتمد على الفلاحة وصناعة الحلي والمجوهرات .
جزرالبليار :
استوطن القرطاجيون جزر البليار على غرار باقي مناطق حوض البحر الابيض المتوسط ويرجع ديودور الصقلي تأسيس ايبيزا الى القرطاجيين (V,16).
عرفت بانتاج بعض الجرار التي لقيت رواجا كبيرا ( تطلق عليها الدراسات عادة تسمية الجرار البونية –الايبيزية PE11)، وقد انطلق  صنعها على ما يرجح من أواخر القرن السادس ق.م في ورشات نصبت غير بعيد عن المقابر بمحاذاة الميناء ويبدو أن هذا الصنف من الفخاركان معدا لنقل الزيوت وربما أيضا منتجات الصيد [28].
ويرتبط اقتصاد ايبيزا بالأساس بفترة الانتعاش التي شهدتها المستوطنة عقب مرورها كغيرها من المستوطنات الفينيقية  بالغرب تحت دائرة النفوذ القرطاجي ، ولعل أبرز مظاهر هذه الانتعاشة تكثيف استغلال الفضاء الزراعي الذي توفره الجزيرة وهو ما يسمح بتوفير فوائض فلاحية وجهت للتصدير ، وأعتبر ذلك سببا رئيسيا في ما حققته ايبيزا من ثراء على امتداد الفترة الموالية [29].
شبه الجزيرة الايبرية
اهتم القرطاجيون كحال أسلافهم الفينيقيين بشبه الجزيرة الايبيرية (ديودور الصقلي V,20) الذين اكتشفوا مناجم الفضة بها وأدركوا ان الأهالي لا يقدمون قيمتها فأسسوا مجموعة من الوكالات أبعدها قادس غربا من أجل مراقبة تجارة هذا المعدن الثمين الذي كانوا يحصلون عليه مقابل بضاعة زهيدة، ويبيعونه بالمشرق بثمن مرتفع ورث القرطاجيون هذه المراكز وهذه المناجم واستمروا في استغلالها مضيفين اليها مناطق أخرى كقرطاجنة،وبالاضافة الى قادس وقرطاجنة هناك منشأت أخرى ك Cerro del villar  و Cerro del Prado و Adra  و Alicante  .
واستغل القرطاجيون ثرواثها المعدنية وما تزخر به من مؤهلات طبيعية ،واعتمد اقتصاد المستوطنات القرطاجية بشبه الجزيرة الايبيرية بالخصوص على الثروات المعدنية  التي توفرها مناجم الفضة والقصدير بالاضافة الى الثروات الفلاحية التي توفرها المناطق الخصبة من الساحل المتوسطي الممتد نحو الشمال الى نهر الابرو،وتشير مادلين هورس ميادان أن موارد قرطاج التي تصب بصورة رئيسة في خزينة الدولة وليدة استثمار مناجم الفضة في اسبانيا [30].

اقتصاد المستوطنات القرطاجية بشمال افريقيا :
أشار العديد من المؤرخين الى اهمية ساحل شمال افريقيا كأداة ربط أساسية بين شرق المتوسط وغربه فيذكر سترابون أن التجار الفينيقيين الذين اجتازوا أعمدة هرقل كانوا قد أسسوا مدنا على شواطئ البحر الخارجي وأيضا بالقرب من وسط الساحل الليبي بعد وقت قصير من نهاية حرب طروادة ( سترابون III,2,41)
ومنذ القرن السادس ق.م  تكفلت قرطاج بحماية المؤسسات الفينيقية في المنطقة [31]  وبحكم القرب الجغرافي استغلت قرطاج المراكز التجارية على طول ساحل شمال افريقيا والساحل الأطلنتي لربط علاقات تجارية مع الأهالي والساكنة المحلية .
واحتضن الساحل التونسي مجموعة من المواقع القرطاجية نذكر منها رأس بوطرياء، مهدية ، رأس ديماس ، الرأس الطيب .. . كركوان التي تحدث المؤرخون القدامى عن ثرواتها وازدهارها أكثر من مرة فقد أشار بولي بالى ذلك متحدثا المزارع الكبيرة والماشية الوفيرة (Polybe,I,1,29 ) ، مما يعكس أن اقتصادها تركز بالأساس على تربية الماشية والزراعة.
بالإضافة إلى كل من تونس والجزائر عملت قرطاجة على استغلال خيرات المغرب الأقصى القديم ، ويمكن رصد مجموعة من المواقع التي شهدت تأثيرا قرطاجيا سواء بالساحل المتوسطي أو الأطلنتي .
بالإضافة إلى كل من تونس والجزائر عملت قرطاجة على استغلال خيرات المغرب الأقصى القديم ، ويمكن رصد مجموعة من المواقع التي شهدت تأثيرا قرطاجيا سواء بالساحل المتوسطي أو الأطلنتي راس كبدانة، سيدي دريس، روسادير، كشكوش، امسا  سيدي عبد سلام دلبحر،  القواس، ليكسوس، سلا، موكادور، بناصا.
وباستقراء المصادر نجد اشارات للمبادلات التجارية القرطاجية مع بلاد المغرب الأقصى القديم ،نجد نص هيرودوت يشير فيه لنظام التجارة السائد أي نظام المقايضة : حيث يتكلم عن وجود بلد وراء أعمدة هرقل ، لما يصله القرطاجيون يفرغون سلعهم ويرتبونها على طول الساحل ثم يصعدون سفنهم ويشعلون النار لكي تحدث دخانا، ويأتي الأهالي الى الساحل عند رؤيتهم للدخان ويضعون الذهب ازاء البضائع ويبتعدون، فينزل القطاجيون من سفنهم ويتوجهون نحو البضائع فاذا ما بدت لهم كميته مساوية لقيمة السلعة يأخذونه وينصرفون واذا ما بدا لهم العكس يصعدون سفنهم وينتظرون فيعود الأهالي و يضيفون ذهبا الى الذهب المعروض الى أن يصل الاتفاق [32].
كما تقدم لنا رحلة حانون معلومات مهمة ( هناك جدل في صحة هذه الرحلة ) عن انشاء حانون مجموعة من المستوطنات القرطاجية بالساحل المغربي المتوسطي والأطلسي وهو الشئ الذي لم تثبته بعد الأبحاث الأركيولوجية .....باستثناء وصول التجار القرطاجين الى الساحل المغربي ومتجارتهم مع الساكنة المحلية، ويظهر من خلال المصادر الأدبية أن المغرب كان يتوفر على ثروات مهمة ما كان القرطاجيون ليتركوها دون استغلالها .
وبالاضافة الى الذهب الذي تحدث عنه هيرودوت أشارت رحلة بسودو سكيلاكس المؤرخة بالقرن 4 ق.م الى مقايضة الفينيقيين لسلعهم مع الاثيوبيين بجلود الأيائل والأسود والفهود وجلود وأنياب الفيلة وجلود بعض الحيوانات الأليفة[33].
كما أن سكيلاكس يشير الى أن هؤلاء يأكلون اللحم ويشربون الحليب وهو الأمر الذي يدل على وفرة الحيوانات الأليفة المستغلة في ذر الألبان والأكل من خرفان وبقر ومعز، كما اشتهر المغرب الأقصى بالأرجوان وبتصدير بيض النعام. ففي شمال غرب المغرب بنواحي طنجة عثر على بقايا كثيرة لبيض النعام تعود الى الفترة الفينيقية [34]. ويشير بونسيك الى أن هذه التجارة سيتسع مجالها ليشمل ايبسا وفيلاريكوس باسبانيا وكواريا بالجزائر وتعود البقايا الكثرة لهذا البيض التي عثر عليها بهاته المواقع الثلاثة الى القرن6-5 ق.م[35].  كما اشتهر المغرب بمتوجاته النباتية اذ أشارنص رحلة المزعوم سكيلاكس لصناعة الخمور ووفرة الكروم، كما يشير  سترابون الى أن بلاد موروزيا بلاد غنية متوفرة على الأنهار والبحيرات والغابات خصوصا ذات الأشجار العالية والكثيفة [36].
وحتى نضع مقارنة بين ماتنتجه المستوطنات القرطاجية وانتاج قرطاج في اطار الوقوف على المبادلات التجارية ، لابد من الاشارة الى أن قرطاج عرفت عدة أنشطة اقتصادية وتعد زراعة الخضر والاشجار المثمرة كالرمان والتين والزيتون ابرز المزروعات القرطاجية [37].
و تمكن القرطاجيون من صنع صباغة الأرجوان التي كانت تعرف رواجا كبيرا في العالم القديم .وكما أشرنا سلفا فقرطاج عملت على جمع المواد الأولية ثم توزيعها مع التركيز على المواد المصنوعة سواء بقرطاجة نفسها أو بمناطق أخرى كعنصر للمبادلة مما جعلها تحقق ثراءا منقطع النظير .














خاتمة :
وخلاصة القول فالقرطاجيون كانوا يحتكرون التجارة بالحوض الغربي للبحر الأبيض المتوسط وسواحل المحيط الأطلسي مرتكزين على خبرتهم في مجال الملاحة وعلاقاتهم الدبلوماسية التي ورثوها عن أسلافهم الفينيقيين ويمكن الخروج بمجموعة من النتائج من هذا العرض :
·       ساهمت المستوطنات القرطاجية في انتاج كميات هامة من الحبوب كما هو الشأن بالنسبة لصقلية وسردينيا غذت بها احتياجاتها سواء في فترات السلم أو في فترات الحروب.
·       لعبت المستوطنات القرطاجية في شبه الجزيرة الايبيرية دورا كبيرا في امداد القرطاجيين بالمعادن سواء الفضة أو القصدير استعملها القرطاجيون في صناعة الحلي وأعادوا تصديرها لمناطق أخرى
·       ساهمت المراكز التجارية بالمغرب في توفير مجموعة من المواد الأولية وهنا يمكن الحديث ربما عن الذهب؟ فضلا عن مواد حيوانية ونباتية أو بحرية .
بالمقابل كانت قرطاج تصدر لهذه المستوطنات العطر وحجر مصر والخزف الأتيكي والأقداح(Pseudo-Scylax11.2 ) بالاضافة الى الحلي والفخار الذي كانت قيمته رديئة بالمقارنة مع الخزف الاغريقي [38]



[1]  أحمد الفرجاوي ، بحوث حول العلاقات بين الشرق الفينيقي وقرطاجة،المعهد الوطني للثرات ، تونس .ص:48 .
[2]  نفسه، نفس صفحة .
[3]  الشاذلي بورونية، قرطاج البونية تاريخ وحضارة، مكتبة الاسكندرية ، مركز النشر الجامعي 1999 ص:241 .
[4] PICARD (G) , Vie et Mort de Carthage,Hachette, Paris 1970,PP35 et 77.
[5]  محمد أبو المحاسن عصفور، المدن الفينيقية ، دار النهضة العربية 1981،ص 72 اعتمادا على أبحاث الايطالي بالوتينو M.Pallotino .
[6] PICARD (G) , Vie et Mort de Carthage,Hachette, Paris 1970,PP31.
[7]  الشاذلي بورونية ، محمد طاهر ، قرطاج البونية تاريخ وحضارة ، مركزالنشر الجامعي 1999 ، مكتبة الاسكندرية، ص218 .
[8] الشاذلي بورونية ، محمد طاهر ، قرطاج البونية تاريخ وحضارة ، مركزالنشر الجامعي 1999 ، مكتبة الاسكندرية، ص118 .
[9]  فرانسوا دوكريه،.قرطاجة حضارة وتاريخ ، ترجمة يوسف شلب شام ، دار طلاس دمشق 1994،ص116 .
[10]  اسطيفان كزيل ،تاريخ شمال افريقيا ،ترجمة التازي سعود ،الكتاب 4 ص ص:151,152 .
[11] - قرطاج البوتية، تاريخ وحضارة ص: 229.
[12] PICARD (G) , Vie et Mort de Carthage, Hachette, Paris 1970,PP  44 et 45
[13]  شارل أندري جوليان ، افريقيا الشمالية، ص ص 109 -111 .
[14] تيوسديد Thucydide,V,2
[15] NICOLAS Carayon, Les portes phéniciens et Punique, géomorphologie et infrastructures, cit,p 161 .
[16] NICOLAS Carayon, Les portes phéniciens et Punique, géomorphologie et infrastructures, cit,p 162
[17] NICOLAS Carayon, Les portes phéniciens et Punique, géomorphologie et infrastructures, cit,p 169
[18]  أستيفان كزيل، التاريخ القديم ،الكتاب 4 ،ص27.
[19]  أستيفان كزيل ،التاريخ القديم، الكتاب 4ـص 219 .
[20] STRABON,6,2,78.
[21] NICOLAS Carayon, Les portes phéniciens et Punique, géomorphologie et infrastructures ,cit,p 171
[22] NICOLAS Carayon, Les portes phéniciens et Punique, géomorphologie et infrastructures ,cit,p 172
[23] NICOLAS Carayon, Les portes phéniciens et Punique, géomorphologie et infrastructures ,cit,p 174
[24] NICOLAS Carayon, Les portes phéniciens et Punique, géomorphologie et infrastructures ,cit,p 178
[25]  محمد بيومي مهران ،مصر والشرق الأدنى القديم ، المغرب القديم دار المعرفة التاريخية، الاسكندرية ص 178 .
[26]  محمد حسين فنطر ،الحرف والصورة في عالم قرطاج، مركز النشر الجامعي تونس 1999، ص 227 .
[27]  محمد حسين فنطر ،الحرف والصورة في عالم قرطاج، مركز النشر الجامعي تونس 1999، ص 227
[28] الشاذلي بورونية ،محمد فنطر، قرطاج البونية تاريخ وحضارة ، مركزالنشر الجامعي 1999 ، مكتبة الاسكندرية، ص236 .
[29] الشاذلي بورونية و محمد طاهر ، قرطاج البونية تاريخ وحضارة ،ص238
[30]  نفسه ص238 .
[31] FANTAR,De la cité antique à la cité arabo-islamique au Maghreb. Reppal,TVI, p :41
[32] Héodote, Histoires,IV,196.
[33] Pseudo-Scylax 112
[34] M.POUNSICH, Recherches archéologiques à tanger et dans sa région ,Paris,éd C.N.R.S,1970. pp.2,70,96,105,13,138,
[35] Ibide,PP :130-139 .
[36]  مصطفى مولاي رشيد ، المغرب الأقصى عند الكتاب الاغريق واللاتين  ص:30
[37][37]  نعيمة الخطيب بوجيبار، مذكرات من الثرات المغربي ، تأليف مجموعة من الأساتذة، المجلد الأول، ص 141 .
[38]  ستيفان كزيل ، تاريخ شمال افريقيا :الكتاب4،ص59 .

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire