vendredi 6 février 2015

قــراءة فـي وثيقــة ( رسالة الحسن الثاني إلى رئيس المجموعة الاقتصادية الأوروبية 1987 )

      النص أو الوثيقة التي بين أيدينا، والتي اخترناها هذا اليوم للدراسة هي عبارة عن مراسلة رسمية دبلوماسية ذات بعد اقتصادي، مرسلة من طرف الملك الراحل الحسن الثاني ملك المملكة المغربية، والمحررة بالقصر الملكي بالدار البيضاء يوم الأربعاء 11 ذي القعدة 1401، موافق لـ    8 يوليوز 1987، إلى رئيس مجلس المجموعة الاقتصادية الأوربية حينئذ. مقتطفة من كتاب "التاريخ الدبلوماسي للمغرب منذ أقدم العصور إلى اليوم، عهد العلويين، المجلد العاشر،" لصاحبه عبد الهادي التازي، والتي تتضمن طلبا رسميا بانضمام المملكة المغربية إلى المجموعة الاقتصادية الأوربية. وقد سبقت هذه المراسلة عدة مفاوضات بين المغرب والمجموعة الأوربية انطلقت سنة 1963، والتي آلت في نهاية الأمر سنة 1969 إلى إقامة أول إطار للتعاون المغربي الأوربي أدى إلى إبرام اتفاقية تجارية تفضيلية بين الطرفين، بعدها تم التوقيع على اتفاقية سنة 1976 حصل المغرب بموجبها على هبات لفائدة التنمية الاقتصادية والاجتماعية. ولكن رغم هذه الجهود المبذولة من طرف المغرب لمحاولة توطيد العلاقة وتوسيعها عبر أبعاد جديدة مع المجموعة الاقتصادية الأوربية، إلا أن طبيعة هذه العلاقة ظلت محدودة ذات صبغة تجارية محضة، إذ هذه الاتفاقات لم تتضمن أحكاما مرتبطة بالإشراف التقني وحركة اليد العاملة...إلى غير ذالك مما تستدعيه شراكة مع المجموعة.

      جاءت هذه المراسلة الرسمية للتأكيد على نية المغرب بإقامة علاقة شراكة حقيقية واندماج اقتصادي متميز بين أعضاء المجموعة. وقد تضمنت في بدايتها معلومات تذكر برسالة مسبقة مرسلة إلى الرئيس "فرانسوا مثيران" في 15 يونيو 1984 باعتباره رئيسا للمجلس الأوربي حينئذ، تنم عن رغبة المغرب بالانضمام إلى المجموعة كعضو مثل باقي الأعضاء الإثني عشرة الأخرى، لضمان توطيد واستمرار علاقاته بباقي الدول المشاركة. كما قدم الراحل الحسن الثاني مجموعة من الاعتبارات التي تعزز موقف المغرب من هذا الانضمام كعامل القرب الجغرافي وموقعه الاستراتيجي المهم، والتاريخ المشترك بينه وبين باقي بلدان أوروبا الغربية، وتوجه الدولة نحو سلوكها طريق الديمقراطية كوجه من أوجه تقارب نظم الحكم بين المغرب وأوروبا. علاوة على اعتبار أن حدث انضمام كل من إسبانيا والبرتغال إلى المجموعة الاقتصادية الأوروبية سنة 1986 ساهم في زيادة القرب الجغرافي بين المغرب في حدوده الشمالية من جهة، والمجموعة الأوروبية من جهة ثانية.

      بعد حصول المغرب على الاستقلال، بموجب ميثاق 2 مارس 1956، عمل على الانخراط في المنظومة الرأسمالية الغربية من الناحيتين اقتصاديا وسياسيا. وذلك على خلاف مجموعة من الدول الإفريقية والعربية التي بمجرد استقلالها مباشرة أعلنت عن رغبتها في اتخاذ النظام الاشتراكي كنظام أساسي لاقتصاد دولها، ونتيجة للعلاقات التجارية والاقتصادية التي ظلت سائدة بين المغرب وفرنسا في إطار التبعية، وباعتبارها البلد المستعمر، ظلت أوروبا بمثابة المجال المتميز الذي يبحث فيه المغرب عن فرص لتنمية اقتصاده الوطني وتطويره، وعن حليف استراتيجي يدعم قضاياه السياسية.
      وتعود أولى العلاقات الاقتصادية بين المغرب والمجموعة الاقتصادية الأوروبية إلى تاريخ 31 مارس 1969، إلى أنها ضلت محدودة في جانبها التجاري ولم يعبر فيها المغرب عن فكرة الانضمام أو العضوية، ورغم أن الملك الراحل الحسن الثاني كان قد طرح في أواسط الثمانينيات على الرئيس الفرنسي الراحل "فرانسوا مثيران" فكرة انضمام المغرب إلى بلدان السوق الأوروبية المشتركة، إلا أن هذه الرغبة ازدادت مباشرة بعد انضمام كل من إسبانيا و البرتغال اللذان كانا ينافسان المغرب على صعيد المنتوجات الزراعية إلى المجموعة الاقتصادية الأوروبية في الفاتح من يناير  1986، ويظهر أن الموقف المغربي اندفع لأغراض اقتصادية محضة تأثرت بظهور ظروف وتحولات جديدة في تلك الفترة، ويتعلق الأمر باشتداد التدابير الحمائية الأوربية للمنتوجات الزراعية، خصوصا بعد انضمام الدولتين الإيبيريتين إلى المجموعة الأوربية، هكذا تم عقد اتفاق الملائمة (المواءمة) من أجل التعاون مع هذه الظروف وذلك بإبرام توقيع ثلاث اتفاقيات هامة بمدينة الرباط يوم 26 ماي 1988. رغم أن طلب الانضمام هذا نتج عنه توقيع اتفاقيات جديدة إلا أن مسألة الانضمام إلى المجموعة قوبلت بالرفض تبعا لمجموعة من المبررات أهمها عدم انتماء المغرب إلى القارة الأوروبية.


      لقد قادت الدبلوماسية المغربية منذ سنة 1987، أي سنة تقدم الملك الراحل الحسن الثاني بطلب الانضمام إلى الإتحاد الأوروبي، سنوات من المفاوضات الطويلة والشاقة، وإن حصول المغرب على أي ميزة في ما بعد لم يكن ليتحقق لولا المجهودات التي قادتها الدولة في هذا الإطار سابقا، وثبوت السياسة الجديدة التي قام سلكها خلفه الملك محمد السادس للاستمرار في عقد شراكات مع بلدان الاتحاد الأوروبي، وإذا كان الاتحاد الأوروبي قد رفض سنة 1987 طلب الراحل الملك الحسن الثاني انضمام المغرب إليه تبعا لمجموعة من المبررات مثلما سبق، فإنّ تصاعد حدّة التهديدات الأمنية، وتعاظم الحاجة الإستراتيجية المتزايدة لتأمين العمق الاستراتيجي لأوروبا من ناحية الجنوب، فرض على القادة الأوروبيين إعادة النظر بشكل جدي وحازم في طبيعة العلاقات السائدة بين أوروبا والمغرب، فعقب انطلاق مسلسل برشلونة الأورومتوسطي عقد اتفاق الشراكة لسنة 1996 حدد خلاله أسس الشراكة الأوربية المتوسطية في الميادين السياسية والاقتصادية  والاجتماعية  والإنسانية، ثم سياسة حسن الجوار لعام 2004.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire